إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
أخبار الآحاد
49620 مشاهدة
القرائن المنفصلة

ثانيا القرائن المنفصلة
     فأرادوا بها أمورا خارجة ، غير ملازمة للخبر دائما بل تقترن به أحيانا أو تحدث معه، فيعرف بها صدق الناقل وصحة خبره. وهذا النوع هو الذي قصده أكثر المتكلمين الذين اشترطوا في إفادة العلم اقترانه بالقرائن غير اللازمة، كالآمدي والغزالي والرازي وابن الحاجب وغيرهم، حكى ذلك عنهم ابن الهمام وغيره، كما في شروح التحرير .
     وقد مثلوا للقرائن المنفصلة بمن أخبر عن عطشه أو مرضه، ورُئيت عليه علامات ذلك ظاهرة، من يبس شفتيه أو تغير لونه ، أو حرارة جسمه، أو نحو ذلك مما يقوي صحة خبره. وكذا لو أخبر بما عليه فيه ضرر، ولكن حملته خشية الله والخوف من عذابه على الإقرار بما فعله لقصد التطهير؛ كمن أخبر بأنه ارتكب ذنبا يوجب حدا أو قودا ، وليس هناك ما يلجئه إلى الإقرار، وقد عرفت منه محبته للحياة، ورغد عيشه، وأخبر  بذلك طوعا واختيارا .
     وهكذا من أقر بدين عنده له وقع في النفس، بدون بينة من صاحب الحق، وبدون أن يطلب منه يمين، وبلا تهديد ولا تعزير. وكما لو أقر عند المفتي بطلاق أو عقد، أو بأنه وقع منه خلل في صلاته أو صومه، أو نحو ذلك ، وطلب بيان الحكم ، فإن المفتي يصدق خبره في كل ذلك ، إلى أمثال هذه الصور مما هو كثير.
     وأنت تعرف أن هذه القرائن تقوي صدق الخبر أيَّا كان نوع المخبر، بدون أن يشترط له ما تقدم من الشروط كالضبط والعدالة ... إلخ.
     وقد مثلوا ذلك بمعرفة محبة الشخص لمحبوبه ، حيث تعرف من أفعاله، وإن لم يخبر عما يكنه ضميره فإن قيامه بخدمة ذلك الشخص، وطول ملازمته، وبذل ماله له ، ونحوه من الأفعال التي هي من خواص المحبين، تدل يقينا على صدق المحبة، وإن كانت كل خصلة منها لا تدل على ذلك بانفرادها، لاحتمال أن تكون لغرض  خاص، فباجتماعها واستمرارها يتحقق من مجموعها صدق محبته له، وهكذا لو حصل ضدها من شخص لآخر عرف بذلك عداوته له وبغضه .
     ثم إن نفس القرائن قد تكون قاصرة عن إفادة العلم ، فإذا انضاف إليها خبر من شخص لا يوثق بخبره ، كانت موافقته له دليل صدقه ، فيحصل العلم بخبره وبالقرائن معا ، فإن حصل العلم بالقرائن كان خبره زيادة فضل.
     وإذا فخبر الثقة العدل يفيد العلم في بعض الأمور لبعض الأشخاص، وقد يقصر عن ذلك فيتقوى ببعض القرائن، وقد تحصل القرائن لبعض السامعين دون بعض، كما لو أخبر شخص زيدا وعمرا بأن خالدا قد مات، وكان عمرو قد علمه مريضا غير ميئوس منه،  وزَيْدٌ قد عهده لا بأس به ، فإن خبر المخبر يحصل العلم لعمرو دون زيد.
     وقد يكون هناك ثالث علم شدة مرضه، ولم يسمع بموته، ولكنه رأى الجنازة أخرجت من بيته الذي لا مريض فيه سواه، ورأى أهله وولده وحاشيته قد أحدقوا بها، وقد اتصفوا بما يدل على مصابهم، من الحزن والكآبة، والبكاء والنحيب ونحو ذلك، فإنه يحصل له العلم اليقيني بأن هذا المحمول على السرير هو خالد دون غيره، وذلك معروف بالمشاهدة، فظهر بهذا تباين الناس، وتباعد ما بينهم في التأثر بالقرائن، وأن منهم من عنده من المعرفة بأحوال الرواة، وتتبع الأخبار، وقرائن الأحوال، وما يحتف بالخبر من هذه الدلائل ما لا يوجد عند الآخرين، فيحصل له العلم اليقيني بهذا الخبر، بينما الآخرون لم يحصل لهم أكثر من الظن أو التردد، ومع ذلك فقد استبعد العلم به بعض المتكلمين وأنكره بعضهم، ومن أعجب ما قرأته ما ذكره الغزالي في المستصفى في نفي حصول العلم بخبر الواحد حيث قال: ولا يُظن بمعتوه تجويزه مع انتفاء القرائن، أما إذا اجتمعت قرائن فلا يبعد أن تبلغ القرائن مبلغا لا يبقى بينها وبين إثارة العلم إلا قرينة واحدة، ويقوم إخبار الواحد مقام تلك القرينة، فهذا مما لا تعرف استحالته، ولا يقطع بوقوعه، فإن وقوعه إنما يعلم بالتجربة، ونحن لم نجربه، ولكن قد جربنا كثيرا مما اعتقدناه جزما بقول الواحد ، مع قرائن أحواله، ثم انكشف أنه كان تلبيسا . اهـ .
     هكذا يقول هذا العالم الكبير، وأنا أستبعد أحقية ذلك، وإن قدرنا صحته فلعله مختص بالبلاد التي نشأ فيها، وبأهل الزمان الذين اتصل بهم، فيمكن أن قد فقد  بينهم الصدق، وخف فيهم الدين، وكثر التزوير والبهرج، حتى عد من المستحيل الوثوق بخبر الواحد، وحصول العلم به مهما بلغ من الأمانة والديانة، وتعظيم أمر الله، والخوف من مغبة الكذب، لدرجة أن من صدقه يعد أقل حالة من المعتوه وهو ناقص العقل.
     فأما أن يطبق هذا على كل وقت وكل أناس، وإن اتصفوا بالعدالة وتمام الضبط ... إلخ فليس كذلك إن شاء الله.